للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (١٨)} [الفتح: ١٨].

ومنها السكينة التي يجدها العبد عند القيام بوظائف العبودية، وهي التي تورث الخشوع والخضوع، وجمعية القلب على الله، بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه قانتًا لله عز وجل.

والخشوع نتيجة هذه السكينة، وثمرتها، وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب.

والأسباب المؤدية إلى السكينة سببها استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله حتى كأنه يراه.

وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء والسكينة، والمحبة والخضوع، والخوف والرجاء، ما لا يحصل بدونها، فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها.

وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصول أعمال القلوب وفروعها كلها في كلمة واحدة، وهي قوله: «الإحسان: أنْ تَعْبُدَ الله كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ» متفق عليه (١).

وكل عبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة، وعند الخطرات السيئة، ليثبت قلبه ولا يزيغ، وعند المخاوف ليثبت قلبه ويسكنه جأشه، وعند الفرح، لئلا يطمح به مركبه فيجاوز الحد، وعند هجوم الأسباب المؤلمة، لئلا ييأس ويقنط.

ولهذا أنزل الله السكينة على رسوله وعلى المؤمنين في مواقع القلق والاضطراب، كيوم الهجرة حينما أحاط المشركون بالغار، كما قال الله سبحانه: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)} ... [التوبة: ٤٠].


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٠)، واللفظ له، ومسلم برقم (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>