الثالث: ترقب آفات النفس وآفات العمل، وذلك بانتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبهما لك.
فذلك يجعل القلب خاشعًا لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما، من الكبر والعجب والرياء، وقلة اليقين، وتشتت النية، وعدم إيقاع العمل على الوجه الذي ترضاه لربك، ورؤية فضل كل ذي فضل عليك.
وذلك بأداء حقوق الناس، وعدم مطالبتهم بحقوق نفسك، وتعترف بفضلهم، وتنسى فضل نفسك عليهم.
الرابع: ضبط النفس بالذل والانكسار عن البسط والإدلال الذي تقتضيه المكاشفة، وأن يخفى أحواله عن الخلق جهده، كخشوعه وذله وانكساره، لئلا يراها الناس، فيعجبه اطلاعهم عليها، ورؤيتهم لها، فيفسد عليه وقته وقلبه وحاله مع الله، فلا شيء أنفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل.
وأن لا يرى الفضل والإحسان إلا من الله، فهو المانّ به بلا سبب منك. والشهقة التي تعرض أحيانًا عند سماع القرآن أو عند ذكر الله لها أسباب منها:
أن يلوح له عند سماع القرآن والذكر درجة ليست له فيرتاح لها، فيشهق، فهذه شهقة شوق.
أو يلوح له ذنب ارتكبه فيشهق خوفًا، فهذه شهقة خشية.
أو يلوح له نقص في العمل لا يقدر على دفعه فيحدث حزنًا، فيشهق شهقة حزن.
أو يلوح له كمال محبوبه، ويرى الطريق إليه مسدودة، فيشهق شهقة أسف.
أو يذكره ذلك بمحبوبه، ويرى الطريق إليه مفتوحًا، فيشهق شهقة فرح وسرور.
أو يذكره ذلك جلال ربه وجماله، وإحسانه وإكرامه، فيرى الخلائق كلها تحت قهره، مدينين لفضله وإحسانه، فيشهق لما يرى من كمال عظمة الرب، وجميل إحسانه إلى عباده: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)} [الحديد: ١٦].