إنه عتاب مؤثر من المولى الكريم الرحيم، واستبطاء للاستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله.
فبعث إليها الرسول يدعوها إلى الإيمان بربها، وأنزل عليها الآيات البينات، ليخرجها من الظلمات إلى النور.
وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصر ويحذر.
إنه عتاب فيه الود، وفيه الحض، وفيه الاستجاشة إلى الشعور بجلال الله، والخشوع لذكره، وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الله من الخشية والطاعة والاستسلام، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال.
وإلى جانب الحض والاستبطاء، تحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ حين يمتد بها الزمن بدون جلاء، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين، حين تغفل عن ذكر الله، وحين لا تخشع للحق.
وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)} [الحديد: ١٦].
إن القلب البشري سريع التقلب، كثير النسيان، وفيه نور الفطرة، فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا، وأظلم وأعتم، فلا بدَّ من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع.
ولا بدَّ من الطرق عليه حتى يشف ويرق، ولا بدَّ من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة.
ولكن لا بأس من قلب خمد وجمد، وقسا وتبلد، فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة، وأن يشرق فيه النور، وأن يخشع لذكر الله.
فالله عزَّ وجلَّ يحيي الأرض بعد موتها، فتزخر بالنبات والأزهار، وتخرج الحبوب والثمار، وتصبح الأرض مخضرة بعد أن كانت مغبرة: {وَتَرَى