للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحياء الشرف والعزة .. وهو حياء النفس العظيمة الكبيرة، إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان، فإنه يستحي مع بذله حياء شرف نفس وعزة.

وحياء المرء من نفسه .. وهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، فيجد نفسه مستحيًا من نفسه.

وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحى من نفسه، فهو بأن يستحي من غيره أجدر.

والحياء على ثلاث درجات:

الدرجة الأولى: حياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه، وذلك يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة، ويحمله على استقباح الجناية، وأرفع منه درجة الاستقباح الحاصل عن المحبة، فاستقباح المحب أتم من استقباح الخائف.

وهذا الحياء يكف العبد أن يشتكي لغير الله، فيكون قد شكى الله إلى خلقه.

الثانية: حياء يتولد من النظر في علم القرب من الله، فيدعوه إلى ركوب المحبة، والله قريب من أوليائه وأهل طاعته، وكلما ازداد العبد حبًا ازداد قربًا.

والقرب نوعان:

قربه سبحانه من داعيه بالإجابة .. وقربه من عابده بالإثابة، وهؤلاء هم أهل طاعته.

فالأول: كقوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} [البقرة: ١٨٦].

والثاني: كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ» أخرجه مسلم (١).

الثالثة: حياء يتولد من انجذاب الروح والقلب من الكائنات، وعكوفه على رب


(١) أخرجه مسلم برقم (٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>