والنوم أول النهار إلا لسهران.
ويكره النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقت غنيمة، ووقت نزول الأرزاق والبركات، وأول النهار ومفتاحه، ومنه ينشأ النهار.
وأعدل النوم وأنفعه نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمان ساعات.
وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه، أو نقص منه، أثر عندهم في الطبيعة.
ومن النوم الذي لا ينفع، النوم أول الليل عقيب غروب الشمس، وهو مكروه شرعًا وطبعًا.
وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات، فمدافعته وهجره مورث لآفات عظام، من سوء المزاج ويبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل، ويورث أمراضًا متلفة لا ينتفع صاحبها بقلبه ولا بدنه معها، وما قام الوجود إلا بالعدل.
وشياطين الإنس والجن يقتحمون النفس البشرية بسلاحين:
أحدهما: سلاح الشهوات، لإفساد سلوكه فيغوى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)} [مريم: ٥٩].
الثاني: سلاح الشبهات، لإفساد فكره فيضل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧].
وقد حث الله المؤمنين على مجاهدة هؤلاء الأعداء بسلاحين أمضى وأقوى:
أحدهما: سلاح الصبر، وبه يجتث شجرة الشهوات والأهواء.
الثاني: اليقين الذي يحطم الشبهات والأوهام كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤].
والذنوب والخطايا، والمعاصي والسيئات، توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفًا، فيرتخي القلب، وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه.