ومبدأ الشر فيه، أن ينقدح فيه خاطر الهوى فيأنس به ويستجيب له، فيرى الباطل ويحبه، ويعمل به، ويدعو إليه، ويصبر عليه، وينفر مما سواه.
الثالث: قلب تبدو فيه خواطر الهوى فتدعوه إلى الشر، فيلحقه خاطر الإيمان والهدى، فيدعوه إلى الخير والهدى.
فتنبعث النفس بشهواتها إلى نصرة خاطر الشر فتقوى الشهوة، وتحسن التمتع والتنعم، فينبعث العقل إلى خاطر الخير، فيدفع عن وجهه الشهوة، ويقبحها ويقبح فعلها، وينسبها إلى الجهل، ويشبهها بالبهيمة والسبع في تهجمها على الشر، وقلة اكتراثها بالعواقب.
فتميل النفس إلى نصح العقل، فيحمل الشيطان حملة على العقل، فيقوي داعي الهوى، ثم يحمل الملك على الشيطان، فعند ذلك تستجيب النفس إلى قول الملك.
ولا تزال الأحزاب والجنود متوالية عليه، حتى يظفر به أقواهما وأصبرهما.
وقد جعل الله للشيطان دخولاً في جوف العبد، ونفوذًا إلى قلبه وصدره، فهو يجري منه مجرى الدم، ويتجول على سائر أعضائه وجوارحه.
وقد وكل بالعبد فلا يفارقه إلى الممات.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ». قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ:«وَإِيَّايَ، إِلا أنَّ اللهَ أعَانَنِي عَلَيْهِ فَأسْلَمَ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْرٍ» أخرجه مسلم (١).
وقد وصف الله عزَّ وجلَّ الشيطان بأعظم صفاته، وأشدها خطرًا، وأقواها تأثيرًا، وأعمها فسادًا، وهي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة.
فإن القلب يكون فارغًا من الشر والمعصية فيوسوس إليه الشيطان، ويخطر الذنب بباله، ويشهيه له، فيصير شهوة، ويزينها له ويحسنها، ويخيلها له في خيال