للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تميل نفسه إليه، فيصير إرادة، وينسيه علمه بضررها، ويطوي عنه سوء عاقبتها، فلا يرى إلا صورة المعصية فقط، وينسيه ما وراء ذلك.

فتصير الإرادة عزيمة جازمة، فيشتد الحرص عليها من القلب، فيبعث الجنود في الطلب، فيبعث الشيطان معهم مددًا لهم وعونًا.

فإن فتروا حركهم، وإن سكنوا أزعجهم كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)} [مريم: ٨٣].

فأصل كل معصية الوسوسة، ولهذا وصفه الله بها، وحذرنا: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} [الناس: ٤ - ٦].

فالذي يوسوس في صدور الناس نوعان:

إنس .. وجن.

فالجني يوسوس في صدور الناس .. والإنسي أيضًا يوسوس إلى الإنسي.

والوسوسة: الإلقاء الخفي في القلب، وهذا مشترك بين الجن والإنس كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)} [الأنعام: ١١٢].

فشياطين الإنس والجن يشتركون في الوحي الشيطاني، ويشتركون كذلك في الوسوسة، ويشتركون كذلك في الفساد والإفساد.

وكما أن الملائكة ليس لهم عمل إلا عبادة الله وطاعته، فهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

فكذلك الشيطان وذريته ليس لهم هم ولا عمل إلا إضلال بني آدم، وإغوائهم ابتلاء من الله، ليعلم من يطيعه ممن يطيع عدوه.

وحيل الشيطان، ومكره، وكيده، وخطواته في تحقيق ما يريد، من أعجب العجب.

فإذا أقبل على الإنسان بجنوده وعساكره .. فوجد القلب في حصنه جالسًا على

<<  <  ج: ص:  >  >>