كرسي مملكته .. أمره نافذ، وجنده قد أحاطوا به .. يحرسونه ويدافعون عنه.
فلا يتمكن الشيطان وجنوده من الهجوم عليه إلا بمخارة بعض أمرائه، وأخص جنده وهي النفس، فزينوا لها الشهوات والمحبوبات، حتى استولت على القلب، ومكنت للشياطين من الاستيلاء على ثغور المملكة:
العين .. والأذن .. واللسان .. والفم .. واليد .. والرجل.
وأمر الشيطان جنوده بالمرابطة على هذه الثغور.
وقال: ادخلوا منها إلى القلب لتقتلوه أو تثخنوه، ولا تمكنوا أحداً يدخل منها إلى القلب، فيخرجكم منه، ويفسده عليكم.
وامنعوا ثغر العين أن يكون نظرها اعتبارًا، بل اجعلوه تفرجًا وتلهيًا، وبالعين تنالون بغيتكم من بني آدم.
فابذروا في القلوب بذور الشهوة، ثم اسقوه بماء الأمنية، ثم عِدوه ومنّوه حتى تقوى عزيمته، فيقع في المعصية فيهلك.
ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم أمركم.
واجتهدوا ألا يدخل منه إلا الباطل واللهو، فإنه خفيف على النفس، تستحليه وتستملحه وتطرب له.
وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شيء من كلام الله ورسوله، لئلا يفسد عليكم أمركم، ويحرق سلعتكم.
فإن دخل شيء فأفسدوه عليه بإدخال ضده عليه أو تهويله.
ثم امنعوا ثغر اللسان أن يدخل منه ما ينفع القلب، من ذكر الله واستغفاره وتلاوة كتابه، ونصح عباده، والدعوة إليه.
وزينوا له الكلام بما يضره ولا ينفعه، إما بالتكلم بالباطل، وإما بالسكوت عن الحق.
فالرباط .. الرباط .. الرباط .. على هذا الثغر أن يتكلم بحق، أو يمسك عن باطل.
وهذا الثغر هو الثغر الأعظم، الذي أهلك منه الشيطان بني آدم، وأكبهم على