فالغيظ مثلاً مؤلم للقلب، ودواؤه في شفاء غيظه، فإن شفاه بحق اشتفى، وإن شفاه بظلم وباطل زاد مرضه، واستحق العقوبة عليه، كمن شفى مرض العشق بالفجور بالمعشوق.
وكذلك الهم والغم والحزن من أمراض القلب، وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور والأنس.
فإن كان بحق شفي القلب، وصح وبرئ من مرضه، وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر، وأعقب أمراضًا أصعب وأخطر.
وكذلك الجهل مرض مؤلم للقلب، فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع، بل تزيده مرضًا إلى مرضه، وإنما شفاؤه وصحته بالعلوم الإيمانية النافعة.
وكذلك الشاك المرتاب في الشيء، يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين به، ولما كان ذلك يوجب له حرارة، قيل لمن حصل له اليقين ثلج صدره، وحصل له برد اليقين.
فمن أمراض القلوب ما يزول بالأدوية الطبيعية، ومنها ما لا يزول إلا بالأدوية الشرعية الإيمانية.
والقلب له حياة وموت .. ومرض وشفاء .. وذلك أعظم مما للبدن.
وجماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، وجميع الأسقام:
ففيه من الآيات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل .. فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك .. بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه.
وفيه إثبات التوحيد .. وإثبات الصفات .. وإثبات المعاد .. وإثبات النبوات .. وفي ذلك كله شفاء من الجهل.
وهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه.
فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عيانًا بقلبه، كما يرى الليل