للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعظ عنّف في النصح .. وإن رُد عليه شيء من قوله غضب .. وإن علم لم يرفق بالمتعلمين .. واستذلهم وامتنّ عليهم .. وإن رأى لمن دونه تكريماً حقد عليه.

ويحب قيام الناس له أو بين يديه .. ولا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه .. ويحب أن يثنى عليه في المجالس .. وأن يصدر في المجالس.

فهذا داء الكبر، وفيه يهلك الخواص من الخلق، وقلما ينفك عنه الزهاد والعبّاد والعلماء والولاة فضلاً عن عوام الخلق.

ولا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال.

وجماع ذلك يرجع إلى أمرين:

كمال ديني .. وكمال دنيوي.

فالديني هو العلم والعمل .. والدنيوي هو النسب، والمال، والجمال، والقوة، والذكاء، وكثرة الأنصار ونحو ذلك.

فالكبر استعظام النفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير، وهذا الشعور الباطن له موجب واحد، وهو العجب الذي يتعلق بالمتكبر، فإنه إذا أعجب بنفسه أو بعلمه أو بعمله، أو بشيء من أسبابه، استعظم نفسه وتكبر.

فالعجب يورث كبر الباطن، وكبر الباطن يثمر التكبر الظاهر في الأقوال والأعمال والأحوال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يُّحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» أخرجه أحمد والترمذي (١).

ولما كان الكبر من المهلكات، ولا يخلو أحد من الخلق عن شيء منه، وإزالته


(١) حسن، أخرجه أحمد برقم (٦٦٧٧).

وأخرجه الترمذي برقم (٢٤٩٢)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (٢٠٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>