الكبر والرياسة، وطلب العلو والشرف قالوا: ما هذا كبر، وإنما هو طلب عز الدين، وإظهار شرف العلم، ونصرة دين الله، ونسي هؤلاء ما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من التواضع والتبذل، والقناعة ولين الجانب.
ونسي المغرور من هؤلاء أن عدوه الذي حذره الله منه هو الشيطان .. وأنه يفرح بما يفعله ويسخر به .. وينسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بماذا نصر الدين؟ .. وبماذا أرغم الكافرين؟ .. وبماذا جذب قلوب العالمين؟.
وفرقة أخرى أحكموا العلم والعمل، وطهروا الجوارح، وزينوها بالطاعات، واجتنبوا المعاصي، وتفقدوا أخلاق النفس، وصفات القلب من الرياء والحسد والكبر وطلب العلو، وجاهدوا أنفسهم على التبري منها، وقلعوا من القلوب منابتها القوية.
ولكنهم بعد مغرورون، إذ بقيت في زوايا القلب من خفايا مكايد الشيطان وخداع النفس ما دق وغمض مدركه، فلم يفطنوا لها وأهملوها.
فالعالم قد يفعل كل ذلك، ويغفل عن المراقبة للخفايا، فتراه يسهر ليله، ويتعب في نهاره في جمع العلوم وترتيبها، وتحسين ألفاظها ونشرها، وهو يرى أن باعثه الحرص على إظهار دين الله ونشر شريعته.
ولعل باعثه الخفي: هو طلب الذكر، وانتشار الصيت في الأطراف، وكثرة الرحلة إليه من الآفاق، وانطلاق الألسنة عليه بالثناء، والمدح بالزهد والورع والعلم.
فنسأل الله السلامة، وحسن الإخلاص، وحسن العمل، ابتغاء وجهه سبحانه.
وفرقة اشتغلوا بعلم الكلام، وفنون الجدل والمناظرات، والمجادلة في الأهواء، فتقطعت أعمارهم في تعلم الجدل، وهذيانات المبتدعة، وأهملوا أنفسهم وقلوبهم، حتى عميت عليهم ذنوبهم وخطاياهم الظاهرة والباطنة.
وأحدهم يظن أن اشتغاله بالجدل أولى وأقرب وأفضل عند الله.
ومجموعة أخرى اشتغلوا بالوعظ والتذكير، وأعلاهم رتبة من يتكلم في أخلاق