وقالوا: اليقين خير من الشك، ولذات الدنيا يقين، ولذات الآخرة شك، فلا نترك اليقين بالشك .. فانظر كيف صاغ لهم الشيطان هذه المقدمات التي جرهم بها إلى النار؟
وعلاج هذا الغرور والجهل بالإيمان والتصديق بما جاء عن الله ورسوله.
وأما غرور الكفار بالله فقولهم: إنه لو كان لله معاد فنحن أحق به من غيرنا، ونحن أوفر حظًا فيه وأسعد حالاً: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)} [سبأ: ٣٥].
وأما غرور العصاة من المؤمنين فهو قولهم: إن الله كريم، وإنا نرجو عفوه، واتكالهم على ذلك، وإهمالهم الأعمال، وظنهم أن الرجاء مقام محمود في الدين، وأن رحمة الله واسعة وكرمه عميم، وربما كان رجاؤهم مستندًا إلى صلاح الآباء، وعلو مرتبتهم.
والمغرورون من البشر أصناف، والأصناف فرق ودرجات:
فأولهم: أهل العلم، والمغترون منهم فرق:
ففرقة أحكموا العلوم الشرعية والعقلية واشتغلوا بها، وأهملوا تفقد الجوارح وحفظها من المعاصي، وإلزامها الطاعات، واغتروا بعلمهم، وظنوا أنهم عند الله بمكان، ولو كانوا مقصرين في العمل.
وفرقة أحكموا العلم والعمل، فواظبوا على الطاعات الظاهرة، وتركوا المعاصي، إلا أنهم لم يتفقدوا قلوبهم، ليمحوا عنها الصفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد والرياء، وطلب الرياسة والشهرة في البلاد والعباد، فهؤلاء زينوا ظواهرهم وأهملوا بواطنهم.
وفرقة علموا أن هذه الأخلاق مذمومة من جهة الشرع، إلا أنهم لعجبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكون عنها، وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بذلك، وإنما يبتلى به العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم، ثم إذا ظهرت عليهم مخايل