الفضائل حتى وصلوا إلى حد العدوان والسرف، كمن غلبه الوسواس في الوضوء والغسل.
وفرقة أخرى غلب عليها الوسواس في الصلاة، فلا يدعه الشيطان يعقد نية صحيحة، بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعة أو الركعة، ويخرج الصلاة عن وقتها، وإن كبَّر شككه الشيطان في صحة نيته.
ومنه من تغلب عليه الوسوسة في إخراج حروف الفاتحة وسائر الأذكار من مخارجها، فلا يزال يحتاط ويردد التشديدات لا يهمه غيره، ذاهلاً عن معاني الآيات، والاتعاظ بها وفهمها، وهذا من أقبح أنواع الغرور، فإن الله لم يكلف عباده في تلاوة القرآن إلا بما جرت به عادتهم في الكلام.
وطائفة اغتروا بتلاوة القرآن يهذونه هذًا، وربما ختموه في اليوم والليلة مرتين، يتلوه هذا المغرور، وقلبه في أودية الأماني يتجول، فهو مغرور يظن أن المقصود من إنزال القرآن الهمهمة مع الغفلة عن تدبره والعمل بموجبه.
وفرقة أخرى اغتروا بالصوم، وربما صاموا الدهر، أو صاموا الأيام الشريفة، لكن صام الظاهر منهم دون الباطن.
فأطلقوا ألسنتهم في كل شيء من الهذيان والغيبة، وملؤوا بطونهم بالحرام عند الإفطار، وقعدوا عن الدعوة إلى الحق، ونشر الهداية.
وكذلك الحج غرهم الشيطان فحجوا بزادٍ حرام، وعليهم من المظالم والديون ما عليهم، وأشغلهم بالرفث والفسوق والخصام.
وفرقة أخرى أخذت في طريق الحسبة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ينكرون على الناس ما ظهر من المعاصي، وينسون ما في بواطن أنفسهم من المنكرات التي تأكل ما جمعوه من الحسنات.
وفرقة زهدت في المال، وقنعت من اللباس والطعام بالدون، ومن المساكن بالمساجد، وظنت أنها أدركت رتبة الزهاد، وهم مع ذلك راغبون في الرياسة والجاه، إما بالعلم، وإما بالوعظ أو بمجرد الزهد.