للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الفقر والغنى من سنة الله في عباده، فالفقر له أوامر وله أهل، والغنى له أوامر وله أهل، والله يعلم من يصلح لهذا، ومن يصلح لهذا، ولكل منهما عبودية، فعبودية الفقر الصبر، وعبودية الغنى الشكر.

أما الإيمان فهو حق للجميع، وواجب على الجميع، وحاجة الجميع، يحتاجه الغني كما يحتاجه الفقير، ويجب على الغني كما يجب على الفقير، ويستطيعه الفقير كما يستطيعه الغني: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)} [النساء: ٥٣، ٥٤].

فما أسمج هؤلاء، وما أسخف عقولهم، وما أقل فقههم.

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦)} [الجاثية: ٦].

إن الله تبارك وتعالى اصطفى آدم على مخلوقات الأرض .. واصطفى الأنبياء على البشر .. واصطفى المؤمنين على الكفار.

والله عزَّ وجلَّ يريد إقامة عالم رباني خالص، عالم محوره الإيمان بالله وحده، يشد المسلمين كلهم إلى هذا المحور، بعروة واحدة لا انفصام لها، ويبرئ نفوسهم من كل عصبية أخرى:

عصبية القوم .. أو الجنس .. أو الأرض .. أو العشيرة .. أو القرابة .. أو اللون .. أو اللسان.

ليجعل مكانها عقدة واحدة هي عقيدة الإيمان بالله، والوقوف تحت راية لا إله إلا الله مع حزب الله.

إن العالم الذي يريده الله عالم رباني، يستمد كل مقوماته من توجيه الله وحكمه، ويتجه إلى الله بكل شعوره وعمله، يشمل الجنس الإنساني كله، ويجمعه في رحاب العقيدة، في رحاب الإيمان، في رحاب الشريعة.

وتذوب فيه جميع فواصل الجنس والوطن واللغة والنسب، وسائر ما يميز إنسانًا عن إنسان عدا عقيدة الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>