والمنهج الصحيح في التلقي عن الله هو أن لا يواجه العقل مقررات الدين وأحكامه بمقررات له سابقة عليها، كوّنها الإنسان بنفسه من مقولاته وتجاربه.
فالإسلام دين العقل والفطرة، يخاطب العقل بأحكامه وسننه وأوامره، ولا يقهره بخارقة مادية لا مجال له فيها إلا الإذعان، ويدعوه إلى تدبر دلائل الهدى والإيمان في الأنفس والآفاق، ليرفع عن الفطرة ركام الإلف والعادة والبلادة، وغبار الشهوات والشبهات المضلة للعقل والفطرة.
ويكل إليه فهم مدلولات النصوص التي تحتمل أحكامه لعباده، ولا يفرض عليه أن يؤمن بما لا يفهم مدلوله ولا يدركه.
فإذا أدرك وفهم المراد من النصوص، لم يعد أمامه إلا التسليم بها فهو مؤمن، أو عدم التسليم بها فهو كافر.
وليس هو حكمًا في صحتها أو بطلانها، وليس هو مأذونًا في قبولها أو ردها.
أما من جعل العقل إلهًا يقبل ما يريد، ويرفض ما يرفض، ويختار ما يشاء، ويترك ما يشاء، فهذا هو الكفر الذي ينال صاحبه بسببه أشد العذاب كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)} [البقرة: ٨٥].
والله سبحانه خالق كل شيء، خلق هذا الكون، وأمر باتباع الشرع.
فإذا قرر الله سبحانه حقيقة في أمر الكون، أو أمر الإنسان، أو أمر الخلائق الأخرى، أو إذا قرر أمرًا في فرائض الدين، أو في النواهي.
فهذا الذي قرره الرب وأمر به واجب القبول والطاعة ممن يبلغ إليه، متى أدرك المدلول منه، وفهم المراد منه.