السلطان الغاشم، وقوى المال الفاتن، وقوى الحديد والنار، فإذا هي كلها تنهزم أمام العقيدة الدافعة في روح الفرد المؤمن المتصل بربه.
وما هو الفرد الفاني المحدود الذي هزم تلك القوى جميعًا، ولكنها قوة الله التي استمدت منها تلك الروح، والينبوع المتفجر الذي لا ينضب ولا ينحسر: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)} [الأنفال: ١٧].
إنها المنّة الكبرى على العباد، منة الإيمان التي لا يملكها ولا يهبها إلا الله وحده، لمن يعلم أنه مستحق لها، وأهل للقيام بشكرها.
وماذا فقد من وجد الأنس بالله بالإيمان الذي يصله بربه، وقطع رحلته على هذه الأرض في ظلال شريعة الله وهداها.
وماذا وجد من فقد ذلك، ولو تقلب في أعطاف النعيم، وتمتع وأكل كما تأكل الأنعام، والأنعام أهدى منه، لأنها تعرف بفطرتها الإيمان، وتهتدي به إلى بارئها الكريم: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} [الفرقان: ٤٤].
والله تبارك وتعالى بالآيات الكونية، والآيات الشرعية، ينبه العقل الغافل، ويوقظه لمعرفة عظمة هذا الكون، وتناسقه وجماله، ومعرفة الخالق العظيم الذي أبدعه: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)} [الرحمن: ٧، ٨].
فإلى جانب هذه العظمة في رفع هذه السماء الهائلة الواسعة، المملوءة بالمخلوقات التي تعبد ربها وتطيعه، وضع سبحانه الميزان، ميزان الحق وضعه ثابتًا راسخًا مستقرًا رحمة بالعباد.
وضعه منهج حياة لتقدير القيم، قيم الأشخاص والأحداث، كي لا يختل تقويمها، ولا يضطرب وزنها، ولا تتبع الجهل والغرض والهوى.
وضعه في الفطرة، ووضعه في هذا المنهج الإلهي الذي جاءت به الرسل،