ومن هذه المعرفة يستمد الطمأنينة والسكينة والارتياح لما يجري حوله .. ولما يقع له .. فهو يعرف من أين جاء؟ .. ولماذا جاء؟ .. وإلى أين يذهب؟ .. وماذا هو واجد هناك؟ .. وأنه موجود هنا لأمر .. وما يقع له مقدر لتمام هذا الأمر .. وأنه لم يخلق عبثًا .. ولن يترك سدى، ولن يمضي مفردًا.
ومن هذه المعرفة الإيمانية تختفي مشاعر القلق والشك والحيرة الناشئة عن عدم معرفة المنشأ والمصير، وعدم رؤية المطوي من الطريق.
إن المؤمن يعرف بقلب مطمئن، وروح مستبشرة أنه يلبس ثوب العمر بقدر الله الذي يصرف الوجود كله، تصريف الحكيم الخبير، وأن اليد التي خلقته وألبسته إياه أحكم منه وأرحم به، وأنه يلبسه لأداء دور معين، في هذا الكون الذي يتأثر بكل ما فيه، ويؤثر في كل ما فيه.
إن المؤمن يقطع الرحلة إلى الآخرة، ويؤدي الدور المطلوب منه في ثقة وطمأنينة ويقين.
إنه يقطع الرحلة، ويؤدي دوره في فرح وسرور، شاعرًا بجمال الهبة، وجلال العطية الكبرى.
هبة العمر الممنوح له من يد الكريم المنان الجميل اللطيف .. وهبة الدور الذي يؤديه مهما كان شاقًا .. لينتهي به إلى ربه الكريم والمقام الأمين.
إن الإيمان بالله قوة دافعة، وطاقة مجمعة، ما تكاد حقيقته تستقر في القلب حتى تتحرك لتعمل، ولتحقق ذاتها في الواقع، ولتوائم بين صورتها المضمرة وصورتها الظاهرة، كما أنها تستولي على مصادر الحركة كلها في الكائن البشري، وتدفعها في الطريق السوي.
ذلك سر قوة الإيمان في القلب، وسر قوة الإنسان بالإيمان، فبه صنع الخوارق التي غيرت وجه الحياة، وبه يندفع المرء إلى التضحية بالعمر الفاني المحدود في سبيل الحياة الكبرى التي لا تفنى، وبه يقف الفرد القليل الضئيل أمام قوى