للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحِيمُ (٦)} [السجدة: ٦].

والأعمال التي كلفنا الله بها قسمان:

أحدها: ما نعرف وجه الحكمة فيه على الجملة بعقولنا كالصلاة والزكاة والصوم ونحوها، فإن الصلاة تواضع محض، وتضرع للخالق.

والزكاة سعي في دفع حاجة الفقير، وتطهير للنفس من الشح.

والصوم تعويد على الصبر، وسعي في كسر الشهوة.

الثاني: ما لا نعرف وجه الحكمة فيه كبعض أفعال الحج.

فإننا لا نعرف بعقولنا وجه الحكمة في رمي الجمرات، وتقبيل الحجر الأسود، والسعي بين الصفا والمروة، والارتحال من منى إلى عرفات إلى المزدلفة.

لكن كما يحسن من الله أن يأمر عباده بالنوع الأول، يحسن منه كذلك أن يأمرهم بالنوع الثاني، لأن الطاعة في النوع الأول لا تدل على كمال الانقياد، لاحتمال أن المأمور إنما أتى به لما عرف وجه المصلحة فيه.

أما الطاعة في الوجه الثاني فإنها تدل على كمال الانقياد، ونهاية التسليم، لأنه لما لم يعرف وجه المصلحة البتة فيه، لم يكن إتيانه به إلا لمحض الانقياد والتسليم لمن هو أعلم منه.

والعاقل يؤمن بهذا وهذا، وينقاد ويسلم لكل ما أمر الله به، وكل ما أخبر الله به: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥].

وسمى العقل عقلاً، لأنه يعقل به صاحبه ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به من الخير، وأول تارك لما ينهى عنه من الشر.

فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله .. أو نهاه عن الشر فلم يتركه .. دل على عدم عقله وجهله، خاصة إذا كان عالمًا بذلك: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)} [البقرة: ٤٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>