فلا يجوز للإنسان إذا لم يقم بما أمره الله به أن يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن على كل إنسان واجبين:
أمر نفسه بالخير، ونهيها عن الشر .. وأمر غيره بالخير، ونهيه عن الشر.
فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر.
فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر، فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير.
وكذلك النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، لأن الأفعال تؤثر أكثر من الأقوال، ولأنه تناقض لا يحسن من العاقل، ولذلك قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)} [الصف: ٢، ٣].
والعاقل حقًا يعلم أن الله عزَّ وجلَّ لم يخلق هذا الكون عبثًا ولا سدى، ولا لغير فائدة، وإنما خلقه بالحق ليقوم أمره وشرعه، ولتتم نعمته على عباده، وليروا من حكمته وقهره وتدبيره، ما يدلهم على أنه وحده معبودهم ومحبوبهم وإلههم: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤)} [العنكبوت: ٤٤].
وشر الدواب عند الله هم الكفار، لأن الله أعطاهم الأسماع والأبصار والعقول ليستعملوها في طاعة الله، فاستعملوها في معصيته، وكان يمكنهم أن يكونوا من خير البرية، فأبوا هذا الطريق، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)} [الأنفال: ٢٢، ٢٣].
فقامت عليهم الحجة بالسماع، وإنما لم يسمعهم الله السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرًا يصلحون به لسماع آياته، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون، فالله لا يمنع عباده الإيمان والخير إلا لمن يعلم أنه لا خير فيه، ولا يزكو لديه، ولا يثمر عنده.