للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغصب المال عليه.

وهو لو غصبه وفسق به لعوقب عقوبتين، عقوبة على الغصب، وعقوبة على الفسق به.

فإذا غصبه وتصدق به، أو بنى به مسجدًا، أو فك به أسيرًا، فإنه قد عمل خيرًا وشرًا: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة: ٧، ٨].

وأما ثواب صاحب المال المغصوب، فإنه وإن لم يقصد ذلك، فهو متولد من مال اكتسبه، فقد تولد من كسبه خير لم يقصده، فيشبه ما يحصل له من الخير بولده البار، وإن لم يقصد ذلك الخير.

وكذلك فإن أخذ ماله مصيبة، فإذا أنفق في خير، فقد تولد له من المصيبة خير، والمصائب إذا ولدت خيرًا، لم يعدم صاحبها منه ثوابًا.

والنية المجردة عن العمل يثاب عليها، والعمل المجرد عن النية لا يثاب عليه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ» أخرجه مسلم (١).

والنيات محلها القلب، وإذا صح القلب صلحت النيات، وإذا فسد القلب فسدت النيات، وانعكست الآثار على الجوارح خيرًا أو شرًا.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه (٢).

والمحاسبة عند الله عزَّ وجلَّ على ما في القلب من النيات والأعمال التي تتبعها. أما الأجساد والصور والألوان فليست محل محاسبة عند رب العالمين كما قال سبحانه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)} [الحج: ٣٧].


(١) أخرجه مسلم برقم (١٩١١).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٢)، ومسلم برقم (١٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>