وكذلك أعطاهم الله سبحانه من العلوم المتعلقة بصلاح معاشهم ودنياهم بقدر حاجتهم، كعلم الطب والحساب، وعلم النبات والزراعة، وعلم الصناعة والمعادن، واستخراج المياه، وإقامة المباني، وصناعة وسائل النقل والاتصالات، وصناعة الأدوية، وطرق الصيد، والتصرف في وجوه الكسب المشروع والتجارة، ونحو ذلك مما فيه قيام مصالح العباد، وتيسير معاشهم.
فسبحان العليم الحكيم الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، وزوده بآلات العلم والمعرفة، فمتى يشكر الإنسان هذه النعم؟.
ثم إن الله تبارك وتعالى منع البشر علم ما سوى ذلك، مما ليس من شأنهم ولا حاجة لهم به، ولا مصلحة لهم فيه، ولا نشأتهم قابلة له كعلم الغيب .. والعلم بكل ما كان وما يكون .. والعلم بما في قلوب الناس .. والعلم بعدد القطر .. وعدد أمواج البحار .. والعلم بعدد ذرات الرمال .. والعلم بعدد الأوراق ومساقطها .. والعلم بعدد الكواكب ومقاديرها والمسافات بينها.
والعلم بما فوق السماوات .. وما تحت الثرى .. وما في لجج البحار .. وما في أقطار العالم من المخلوقات والحركات.
والعلم بتسبيح الجبال والطير والحيوان والنبات .. ومعرفة ما في الأرحام، ووقت نزول الأمطار .. وعدد الأنفاس .. إلى سائر ما حجب الله عن البشر علمه، واختص بعلمه عالم الغيب والشهادة.
فمن تكلف علم ذلك فقد ظلم نفسه، وتدخل فيما لم يؤمر به، وتجاوز ما حد له، وكلف نفسه ما لا طاقة له به، وأوضاع أوقاته فيما لا يمكنه الإحاطة به.