ومن حكمته سبحانه ما منع عباده من العلم بوقت قيام الساعة، ومعرفة آجالهم، ومقدار مكاسبهم، وأماكن موتهم، وطوى علم ذلك عن جميع خلقه، واختص به وحده كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)} [لقمان: ٣٤].
وفي ذلك من الحكمة البالغة ما لا يحتاج إلى نظر.
فلو عرف الإنسان مقدار عمره، فإن كان قصيرًا لم يهنأ بالعيش، وكيف يهنأ به وهو يترقب الموت في ذلك الوقت.
وإن كان طويل العمر فهو واثق بالبقاء، فلا يبالي بالانهماك في الشهوات والمعاصي وأنواع الفساد، ويقول إذا قرب الوقت أحدث توبة.
وهذا لا يرضاه العباد من بعضهم، فكيف يرضاه رب العباد.
فلو أن عبدًا أسخط سيده سنوات، ثم لما علم أنه صائر إليه أرضاه ساعة، لم يقبل منه، ولم يرض عنه.
وكذا سنة الله عزَّ وجلَّ أن العبد إذا عاين الانتقال إلى الله تعالى لم تنفعه توبة ولا إقلاع: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)} [النساء: ١٧، ١٨].
فما أعظم حكمة الله في عباده .. وما أعظم نعمه عليهم .. حيث ستر عنهم مقادير آجالهم .. ومبلغ أعمارهم .. ومكان وفاتهم.
فلا يزال من وفقه الله يترقب الموت في كل يوم، بل كل لحظة، فيكف عما يضره في معاده، ويجتهد فيما ينفعه ويسر به عند القدوم على ربه.
فسبحان مالك الملك، ومدبر الدهور والخلائق، القائم على كل نفس، الذي إذا شاء أحيا، وإذا شاء أمات، وإذا شاء أعطى، وإذا شاء منع، وإذا شاء عافى، وإذا