الثاني: العلم بأن الله وحده المتفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المتفرد بالألوهية والعبودية.
الثالث: العلم بأن الله وحده هو المتفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب به، ومحبته وعبادته وحده لا شريك له.
الرابع: العلم بنصره لأوليائه، وخذلان أعدائه، فإن ذلك يوجب التعلق به وطاعته، والحذر من معصيته، وإخلاص العبادة له.
الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، فقيرة بالذات، لا تملك ولا يملك عابدوها نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة، ولا تجلب خيراً، ولا تدفع شراً.
فالعلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا الله، وتعلق القلب به، وبطلان ألوهية ما سواه.
وتدبر القرآن العظيم والتأمل في آياته هو الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد، ومعرفة الله بآياته ومخلوقاته، ومعرفة جلاله وجماله ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} [محمد: ٢٤].
وكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الإقبال على الطاعات، والانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)} [فاطر: ٢٨].
والعلم بعظمة الله وكبريائه داع إلى خشيته، وأهل خشيته هم أهل كرامته كما قال سبحانه: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)} [البينة: ٨].
فأشرف العلوم وأزكاها، وأعلاها وأعظمها، العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.