أهمها عدم الالتفات إلى الأسباب؛ لأن قدرة الله تظهر إذا انقطعت الأسباب وتوجه المؤمن إلى ربه، فقدرة الله مخفية وراء الأسباب، مع الأسباب لا تظهر.
فترك موسى - صلى الله عليه وسلم - زوجته وماله .. ولما اقترب قيل له: اخلع نعليك .. ولما اقترب أكثر قيل له: ألق عصاك وهي نافعة .. ثم قيل له خذها وهي ضارة؛ ليعلم أن كل شيء بيد الله، والله يفعل ما يشاء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وموسى تعلم التربية بأقسامها الثلاثة في الميدان:
التربية البدنية .. ثم التربية الأخلاقية .. ثم التربية الإيمانية.
تعلم التربية البدنية في قصر فرعون، فلقوته قتل القبطي، ورفع الحجر وحده عن بئر مدين، ولطم ملك الموت .. ثم أخرجه الله إلى مدين ليتعلم التربية الأخلاقية؛ لأن الدعوة لا بدَّ أن يكون معها أخلاق من الرفق والرحمة، والحلم والصبر، فرعى الغنم في مدين عشر سنين، وكل نبي رعى الغنم؛ لأن رعي الغنم شبيه برعاية البشر .. ثم نقله الله إلى ميدان آخر، وهو التربية الإيمانية، في البقعة المباركة من الشجرة، كما قص الله ذلك في القرآن في سورة طه والقصص وغيرهما.
والصحابة رضي الله عنهم لما هاجروا إلى المدينة كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد رباهم عملياً على معرفة الرب، ومعرفة قدرته، فجاءت عليهم في المدينة أحوال شديدة، أصابتهم الحمى، ولا يولد لهم مولود لمدة سنتين، وصاروا فقراء بعد أن كانوا أغنياء، وهزلت أجسامهم.
ولكن لما كانت تربيتهم قوية لم يتأثروا بذلك، فهي إعداد لهم، وترقية لإيمانهم، فقد واجهوا الكفار بعد ذلك في بدر بلا عدد ولا عدة فهزموهم بإذن الله.
ففي مكة كان مصنع الرجال، وتربية الرجال، وفي المدينة كان استخدام الرجال في الميدان.