وليس اليسر في هذا الدين هو الترخص، ليس هو تجميع الرخص كلها في هذا الدين، وجعلها منهج الحياة.
فهذا الدين عزائم ورخص، والعزائم هي الأصل، والرخص للملابسات والأحوال الطارئة.
وبعض المخلصين حسني النية، الذين يريدون دعوة الناس إلى هذا الدين، يعمدون إلى الرخص فيجمعونها، ويقدمونها للناس على أنها هي الدين، ويقولون لهم: انظروا كم هو ميسر هذا الدين؟.
وبعض الذين يتملقون شهوات السلطان أو شهوات الناس، يبحثون عن منافذ لهذه الشهوات من خلال الأحكام والنصوص، ويجعلون هذه المنافذ هي الدين.
ولكن الدين ليس هذا، وليس ذاك، إنما هو بجملته برخصه وعزائمه ميسر للناس.
يقدر عليه الفرد العادي حين يعزم، ويبلغ فيه تمام كماله الذاتي في حدود بشريته، كما يبلغ العنب كماله الذاتي في الحديقة الواحدة: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧].
وفي مكة حيث لم تكن للإسلام دولة تنفذ شريعته، فصان الله هذه الشريعة أن تكون حديث ألسن، وموضوعات دراسة، قبل أن يهيئ لها المجتمع الذي يدخل في السلم كافة، ويسلم نفسه لله جملة، ويعبد الله بالطاعة لشريعته في كل شأن.
وقبل أن يهيئ لها الدولة ذات السلطان، التي تحكم بهذه الشريعة بين الناس فعلاً، وتجعل معرفة الحكم مقرونة بتنفيذه فوراً.
فتأتي الأوامر والأحكام، فتستقبلها القلوب بالقبول والإذعان كما حصل ذلك في المدينة بعد الهجرة.