وآخر ما نزل من القرآن في ثلاثة مواطن:
١ - قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].
نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة بعد العصر عام حجة الوداع.
٢ - ثم أنزل الله إليه في أوسط أيام التشريق سورة النصر؛ إيذاناً بقرب أجل الرسول - صلى الله عليه وسلم - {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النصر: ١ - ٣].
٣ - وقبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسع ليال نزل في المدينة قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١)} [البقرة: ٢٨١].
ولقد عاش الذين أُنزل القرآن لهم أول مرة فترة عجيبة في كنف السماء موصولين بالله مباشرة:
يطلعهم كل حين على ما في نفوسهم .. ويشعرهم بأن عينه عليهم .. ويحسبون هم حساب هذه الرقابة .. وحساب هذه الرعاية في كل حركة .. وفي كل هاجسة تخطر في قلوبهم.
ويلجؤون إليه أول ما يلجؤون واثقين أنه قريب مجيب.
ومضى ذلك الجيل مثالاً عجيباً وصورة مضيئة للإسلام، وبقي بعده القرآن كتاباً مفتوحاً يهتدي به من شاء موصولاً بالقلب البشري، يصنع به حين ينفتح له ما لا يصنعه أي أمر آخر، ويحول مشاعره بصورة تحسب أحياناً في الأساطير.
وبقي هذا القرآن العظيم منهجاً واضحاً كاملاً صالحاً لإنشاء حياة إنسانية نموذجية في كل بيئة، وفي كل زمان، حين يعمل به بدون تحريف أو تعطيل.
وقد أنزل الله هذا القرآن في هذه الليلة المباركة أولاً للإنذار والتحذير، فالله يعلم غفلة هذا الإنسان ونسيانه، وحاجته إلى الإنذار والتنبيه.
وهذه الليلة المباركة بنزول القرآن كانت فيصلاً بهذا التنزيل، إذ فيها يفرق كل