إن العارف حقاً لا يقرأ القرآن لأجل المزيد من المعلومات فقط.
ولا لأجل الحصول على الثواب الموعود به على كل حرف فقط.
ولا تكون قراءته بقصد الاستمتاع بفصاحته، وتذوق بلاغته فقط.
بل يقرؤه مع ذلك لأجل أن يتلقى كلام رب العالمين، كلام ملك الملوك.
ويقرؤه كقراءة الجندي أو العبد الذي يقرأ كتاب رئيسه أو سيده ليعمل بمقتضاه، وينفذ وصاياه.
ويفرح به أعظم فرح، وبذلك تنفتح له كنوز العلم والمعرفة، وتحصل له بركاته، ويتيسر له العمل به دون إحساس أو تكلف.
بل يستلذه ويتمتع به، ويضحي بكل شيء من أجله، ويظهر أثره على قلبه وروحه وجوارحه.
فالقرآن العظيم بصائر لجميع الناس، وهدى وشفاء ورحمة بمعنى عام وبمعنى خاص.
ولهذا يذكر الله في القرآن هذا وهذا.
فهو هدى للعالمين، وهدى للمتقين .. وشفاء للعالمين، وشفاء للمؤمنين .. وموعظة للعالمين، وموعظة للمتقين.
فهو في نفسه هدى ورحمة، وشفاء وموعظة.
فمن اهتدى به واتعظ واشتفى كان بمنزلة من استعمل الدواء الذي يحصل به الشفاء، فهو دواء له بالفعل.
وإن لم يستعمله فهو دواء له بالقوة.
وكذلك الهدى، فالقرآن هدى بالفعل لمن اهتدى به، وبالقوة لمن لم يهتدِ به، وإنما يهتدي به ويُرحم المتقون الموقنون، فهو هدى لأن من شأنه أن يهدي كما قال سبحانه: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)} [آل عمران: ١٣٨].
فالله عزَّ وجلَّ هو الهادي، وكتابه هو الهدى الذي: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ