وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المؤمن من الكافر، إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله عنه.
فهذا الإيمان الذي يتميز به المسلم عن الكافر؛ لأنه تصديق مجرد لله ورسوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [البقرة: ٢، ٣].
وآيات القرآن الكريم تبصر العبد بحدود الحلال والحرام، وتهديه في ظلم الآراء إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل.
وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل، وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق، وتناديه كلما فترت عزماته ليلحق بالركب الكريم.
وتحثه على التزود لمعاده، وتحذره وتخوفه من العذاب الأليم، وتوقفه على ما أعد الله لأوليائه من دار النعيم المطلق، وما أعد لأعدائه من دار العقاب الوبيل.
والقرآن كلام الله عزَّ وجلَّ:
وقد وصف الله كلامه بأنه مجيد، وهو أحق بالمجد من كل كلام، كما أن المتكلم به له المجد كله، فهو سبحانه المجيد، وكلامه مجيد، وعرشه مجيد.
ووصفه بأنه عظيم، وهو أحق بالتعظيم من كل كلام، والمتكلم به هو العظيم الذي له العظمة كلها.
ووصفه بأنه كريم، وهو أحق بالكرم من كل كلام، والمتكلم به هو الكريم الذي لا أكرم منه، وكثرة خير القرآن لا يعلمها إلا من تكلم به: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)} [الواقعة: ٧٧، ٧٨].
وقد حفظ الله كتابه، فالشياطين لا يمكنهم التنزل به؛ لأن محله محفوظ أن يصلوا إليه، وهو في نفسه محفوظ أن يقدر الشيطان على الزيادة فيه، والنقصان منه كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩].