فالله تبارك وتعالى حفظ كتابه .. وحفظ محله .. وحفظه من الزيادة والنقصان .. وحفظه من التبديل والتغيير .. وحفظ ألفاظه من التبديل .. وحفظ معانيه من التحريف .. وأقام له من يحفظ حروفه من الزيادة والنقصان .. ويحفظ معانيه من التحريف والتغيير: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤١، ٤٢].
وكتب الله عزَّ وجلَّ فيها الهدى والنور، والموعظة والبيان والشفاء، والمتقون هم الذين يجدون في كتب الله الهدى والنور والموعظة، وهم الذين تنفتح قلوبهم لما في هذه الكتب من الهدى والنور والموعظة.
أما القلوب القاسية القاسية الغليظة الصلدة، فلا تبلغ إليها الموعظة، ولا تذوق حلاوتها، ولا تسمع لتوجيهاتها، ولا تنتفع من هذا الهدى، ومن هذا النور، بهداية ولا معرفة، ولا تقبل ولا تستجيب.
إن النور موجود، ولكن لا تدركه إلا البصيرة المفتوحة .. وإن الهدى موجود، ولكن لا تدركه إلا الروح المستشرفة .. وإن الموعظة موجودة، ولكن لا يلتقطها إلا القلب الواعي.
وقد بين الله عزَّ وجلَّ في القرآن كل شيء في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدنيا والآخرة، وكل ما يحتاج إليه العباد فهو مبين فيه أتم تبيين كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)} [النحل: ٨٩].
فلما كان القرآن الكريم تبياناً لكل شيء، صار حجة الله على العباد كلهم، فانقطعت به حجة الظالمين، وانتفع به المسلمون، فصار هدى لهم يهتدون به إلى أمر دينهم ودنياهم، ورحمة ينالون بها كل خير في الدنيا والآخرة: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)} [الزمر: ٢٣].