وهذه آفة لا يختص بها طائفة من أهل الكتاب، إنما تبتلى بها كل أمة يرخص دين الله فيها على من ينتسبون إليه، حتى ما يساوي إرضاء هوى من الأهواء.
ويفسد القلب حتى ما يتحرج من الكذب على الله ورسوله.
وهذا المسلك كفيل بسقوط هذه الخشب المسندة، الذين تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم.
وبسبب هذا المسلك نقل الله قيادة البشرية من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧)} [آل عمران: ٧٧].
والدعوة إلى الله مسئولية جميع الأمة.
أما الفتاوى في الأحكام والمسائل فهي مسئولية العلماء، فمن علم حكماً أفتى به، ومن جهله دل المستفتي على العلماء الذين اختصهم الله بمزيد من العلم والفقه، والفهم والحفظ، وجعلهم أواني لعلمه وأحكام دينه، يتعلمونها ويعملون بها ويعلمونها الناس.
وكان الصحابة يتدافعون الفتوى فيما بينهم، والمفتون فيهم يعدون على الأصابع كمعاذ وعلي، وزيد بن ثابت وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم.
فالفتوى ليست مباحة لكل أحد، أما الدعوة فكل يدعو إلى الله بحسب ما عنده من العلم، وأقله آية.
فالعلماء والفقهاء هم أهل الفتوى كما قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣].
والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمة كلها، كل بحسب علمه وقدرته وبصيرته، وقد قام بها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أول يوم قبل نزول