الحلال والحرام، وسائر السنن والآداب والأحكام، بما وهبهم الله من القوة والفهم والحفظ والاستنباط.
فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الآباء والأمهات كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء: ٥٩].
وأولو الأمر: هم العلماء والأمراء.
لكن الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، وما أوجبه العلم الشرعي.
وكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء.
ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس كلهم تبعاً لهم كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما.
فما أعظم بركتهما على الأمة إذا صلحا، وما أشد فسادهما إذا فسدا.
والمفتون صنفان:
مفتٍ بعلم .. ومفتٍ بغير علم.
فالأول خير الناس؛ لأنه يفتي بعلم ابتغاء مرضاة الله.
والثاني شر الناس؛ لأنه يفتي بجهل، ويقول على الله بلا علم طمعاً في منصب أو جاه أو مال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤)} [الأنعام: ١٤٤].
فالإفتاء منصب عال شريف، وثوابه جزيل، وهو في نفس الوقت منصب خطير.
لذا ينبغي للمسلم ألا ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
الأولى: أن تكون نيته خالصة لله، فإن لم تكن خالصة لله لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور.