للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أحب الله أنس به، ومن أحب غير الله عُذب به، وأصابه الخذلان من جهة ما تعلق به: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢)} [الإسراء: ٧٢].

وتمام العبودية وكمالها يكون بتكميل نوعين من أنواع التذلل والتعبد:

أحدهما: ذل المحبة لله، بأن يشهد العبد عزة محبوبه وجلاله وعظمته، فيحمله ذلك على التقرب إليه، والتودد إليه، والتملق له، وإيثار ما يرضيه، والصبر على أوامره، والرضى بأقداره، والحمد على نعمه، والتلذذ بطاعته.

الثاني: ذل المعصية، فإذا وقع العبد في معصية أحدث له ذلك الذل والانكسار.

فإذا انضاف هذا إلى ذاك لم يبق إلا شهود عزة الله وجلاله وكبريائه، وضعف الإنسان وعجزه، وفقره وذله لربه.

ومتى شهد العبد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه، فإذا ابتلي بالذنب تصاغرت نفسه وذل وخضع لربه.

ولكل اسم من أسماء الله عزَّ وجلَّ وصفاته عبودية خاصة تظهر على القلب والجوارح.

فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالنفع والضر، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة، يثمر له عبودية التوكل على الله سبحانه.

وعلم العبد بسمع الله تعالى وبصره، وعلمه بكل شيء، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه، وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله.

ويجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء، ويثمر له الحياء الإكثار من الطاعات، واجتناب المحرمات.

ومعرفة العبد بغنى الله، وجوده وكرمه، وبره وإحسانه، وعفوه ورحمته يوجب له ذلك سعة الرجاء، والتضرع إلى الله، والوقوف ببابه، وسؤاله ودعائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>