للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقيدة في الله، والسلوك الشخصي في الحياة، والمعاملات المادية في السوق، تتهمهم بالرجعية والتعصب والجمود كما قال قوم شعيب له متهكمين ساخرين به: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)} [هود: ٨٧].

فالحلم والرشد عندهم أن يعبدوا ما يعبد آباؤهم بلا تفكير، وأن يفصلوا بين العبادة والتعامل في السوق.

إن صلاح الحياة والمجتمع أن يعيش الإنسان آدمياً مؤمناً بربه، عابداً له، مطيعاً له في جميع أحواله.

وقد يخيل لبعض الناس أن اتباع العقيدة والخلق يفوت بعض الكسب الشخصي ويضيع بعض الفرص، وهذا ليس بصحيح، بل إنه يفوت الكسب الخبيث ويضيع الفرص القذرة النجسة، ويعوض عنهما كسباً طيباً ورزقاً حلالاً، ومجتمعاً متآخياً متعاوناً، لا حقد فيه ولا غدر ولا خصام.

إن العبادة هي الحكم من جانب الله، والعبودية والطاعة من جانب البشر في كل أمر، وهذا وحده هو الدين القيم كما قال سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} [يوسف: ٤٠].

إن العبودية لله لا تستقيم إلا أن تكون الدينونة الإرادية لله في الحكم كالدينونة القهرية لله في القدر، فكلاهما من العقيدة اللازمة.

والله الواحد القهار في غنى عن العالمين، فهو سبحانه لا يريد منهم إلا التقوى والصلاح، والعمل وعمارة الأرض وفق منهجه، فيعد لهم هذا كله عبادة يؤجرون عليها.

وحتى الشعائر التي يفرضها عليهم إنما يريد بها إصلاح قلوبهم ومشاعرهم؛ لأصلاح حياتهم وواقعهم، ليسير الناس في جميع أمورهم وفق أمر الله عزَّ وجلَّ، وهذا هو مفهوم العبادة الشامل الكامل.

إنها الدينونة لله وحده في كل شيء .. والخضوع لله وحده .. واتباع أمره وحده ..

<<  <  ج: ص:  >  >>