للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيده كل شيء، النفع والضر، والعطاء والمنع، وأقبل على مخلوق مثله أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء، بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب فما أضله .. وما أخسره .. وما أشد حسرته: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)} [الحج: ١٢، ١٣].

إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله، ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله، ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضر إلا بالاستعانة بالله.

فمن مسه الضر في فتنة من الفتن، وفي ابتلاء من الابتلاءات، فليثبت وليستبق ثقته برحمة الله وعونه، وقدرته على كشف الضراء، وعلى العوض والجزاء.

وأما من يفقد ثقته في نصر الله في الدنيا والآخرة، ويقنط من عون الله له في المحنة حين تشتد المحنة، فدونه فليفعل بنفسه ما يشاء، وليذهب بنفسه كل مذهب، فما شيء من ذلك بمبدل ما به من البلاء: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥)} [الحج: ١٥].

وإذا كان كثير من الناس ضالين عاصين، مستكبرين عن طاعة ربهم، مخالفين لأمره، غافلين عن آيات ربهم، فإن هذا الكون العظيم الهائل ما عداهم يتجه بفطرته إلى خالقه، خاضعاً لربه، ساجداً لوجهه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)} [الحج: ١٨].

وإذا تدبر الإنسان وتفكر .. فإذا حشد عظيم من الخلائق في السماوات والأرض، مما يدرك الإنسان ومما لا يدرك، وإذا حشد من الأفلاك والأجرام مما يعلم الإنسان ومما لا يعلم، وإذا حشد كذلك من الجبال والأشجار والدواب في هذه الأرض التي يعيش عليها الإنسان، إذا بتلك الحشود من

<<  <  ج: ص:  >  >>