إن الإيمان كله خير، فها هو يجلب النفع، ويدر الضرع، وينمي الزرع، ويربح التجارة.
وإن اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا بالبلاء الذي أصابه فلم يصبر عليه، ولم يتماسك له، ولم يرجع إلى الله فيه.
وخسر الآخرة بردته وانقلابه على وجهه، وانكفائه عن عقيدته، وانتكاسه عن الهدى الذي كان ميسراً له.
والمؤمن يعبد ربه شكراً له على هدايته له، وعلى اطمئنانه للقرب منه، والأنس به، ولمعرفته بجلاله وجماله وكماله يتوجه إليه بالعبادة وحده دون سواه.
فإن كان هناك جزاء من الرب لعبده فهو فضل من الله ومنة، لا استحقاقاً على الإيمان والعبادة، فإن الإنسان كغيره عبد لله، والعبد مملوك لسيده، ومنعم عليه بجزيل النعم، وماذا عساه أن يؤدي شكر نعمة من النعم التي لا تحصى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)} [ابراهيم: ٣٤].
والمؤمن لا يجرب إلهه فهو قابل ابتداء لكل ما يقدره له، مستسلم ابتداء لكل ما يجريه عليه، راض ابتداء بكل ما يناله من السراء والضراء، وليست هي صفقة في السوق بين بائع وشار، إنما هي إسلام المخلوق للخالق، وهناك السعادة والسلامة: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)} [البقرة: ١١٢].
والذي ينقلب على وجهه عند مس الفتنة يخسر الخسارة التي لا شبهة فيها ولا ريب، يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى، إلى جوار خسارة المال أو الولد أو الصحة أو غيرها مما يفتن الله بها عباده، ويبتلي بها ثقتهم فيه، وصبرهم على بلائه، وإخلاصهم أنفسهم له، واستعدادهم لقبول قضائه وقدره.
ويخسر الآخرة وما فيها من نعيم وقربى ورضوان، فيا له من خسران، بل ذلك هو الخسران المبين.
فما أضل من يرتد على وجهه عند حصول الفتن، حيث أعرض عن ربه الذي