أحدها: استقرار معنى العبودية لله في النفس، والشعور بأنه ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود، وإلا رب واحد، والكل له عبيد.
الثاني: التوجه إلى الله بكل هاجس في القلب، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة، التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر.
وبهذا وذاك يتحقق معنى العبادة، ويصبح العمل كالشعائر، والشعائر كعمارة الأرض، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد، والرضى بقدر الله، كلها عبادة، وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها.
عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعراً أنه مخلوق للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى، جاء لينهض بها فترة، طاعة لله وعبادة له، لا أرب له فيها ولا غاية من ورائها إلا الطاعة لربه ومولاه.
وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة، ثم يجده في الآخرة تكريماً ونعيماً، وفضلاً عظيماًَ.
فهو يقوم بالخلافة في الأرض وينهض بتكاليفها، وفي الوقت ذاته ينفض يديه منها خالص القلب من جواذبها.
ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها هي، ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها ثم الفرار إلى الله تعالى منها.
ومن مقتضيات معنى العبادة أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها، فالإنسان غير معلق بالنتائج، إنما هو معلق بأداء العبادة، في القيام بهذه الأعمال وتنفيذ تلك الأوامر، ولأن الجزاء ليس في نتائجها، إنما جزاؤه في العبادة التي أداها، ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيراً كاملاً تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال.
فينظر فيها ابتداءً إلى معنى العبادة الكامن فيها، ومتى تحقق هذا المعنى انتهت