للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا تتبدل موازينه .. ولا تتبدل قيمه .. ولا يتغير تصوره.

فهو قلب واحد، يؤمن بإله واحد، ويعمل بوحي واحد، ويسير على منهج واحد، ويستسلم لرب واحد، وهو الله وحده.

فالقلب الواحد لا يعبد إلهين، ولا يخدم سيدين، ولا ينهج منهجين، ولا يتجه اتجاهين.

وما يفعل شيئاً من هذا إلا أن يتمزق ويتفرق، ويتحول إلى أشلاء وركام، وذلك هو الضلال البعيد.

فهل بعد هذا من بيان؟ وهل فوق هذا من برهان؟

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)} [ق: ٣٧].

إن الله خلق الجن والإنس لغاية معينة، وهي عبادته وحده لا شريك له، وهذه وظيفة عظيمة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده، ومن قصر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد.

هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بخالق الكون هي عبادة الله، بأن يكون هناك رب وعبد، وأن تستقيم حياة العبد على أوامر الرب سبحانه في جميع الأحوال.

فمدلول العبادة أوسع من مجرد إقامة الشعائر، فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر فقط، والله لا يكلفهم هذا وهو يكلفهم ألواناً أخرى من النشاط تستغرق معظم أوقاتهم.

أما الإنس فنعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان من القرآن من قوله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠].

فالخلافة في الأرض هي عمل هذا الكائن الإنساني، وهي تتطلب ألواناً من النشاط في عمارة الأرض، والتعرف على قواها وطاقاتها، وتحقيق مراد الله في الانتفاع بها، وتنفيذ أوامره عند استخدامها.

كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض، وتنفيذها في عباده.

<<  <  ج: ص:  >  >>