للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أدرك العقل البشري منذ عهود بعيدة حقيقة هذه الحياة السارية والكون كله، وحقيقة اتجاه روحه إلى خالقه.

إنه يتجه إلى مبدعه بحركة روحه، وهي الحركة الأصيلة، محركة ظاهره إنما هي تعبير عن حركة روحه، وهي حركة العبودية لله، والتي تمثلها في القرآن آيات كثيرة منها: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الاسراء: ٤٤].

وقوله سبحانه: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦)} [الرحمن: ٦].

وتأمل هذه الحقيقة، وتأمل الكون في عبادته وتسبيحه، مما يمنح القلب البشري متاعاً عجيباً، وأنساً ولذة، وفرحاً وسروراً، وهو يشعر بكل ما حوله حياً يعاطفه، ويتجه معه إلى خالقه، وهو في وقفته بين أرواح الأشياء كلها، وهي تدب فيها جميعاً، وتحيلها إخواناً له ورفقاء، يؤدون وظائفهم معاً، ويعبدون ربهم معاً.

إن كل من في السماوات والأرض متوجه إلى ربه بالعبادة، يسبح الله في كل حين: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)} [الحديد: ١].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أبْعَثَ، إِنِّي لأعْرِفُهُ الآنَ» أخرجه مسلم (١).

فسبحان من له العزة الغالبة، والحكمة البالغة، والنعمة السابغة، والقدرة القاهرة، والإحاطة التامة، والعلم الشامل.

وهو المهيمن على كل شيء بقوته، وهو جاعل كل شيء وفق حكمته، إن كل شيء في السماوات والأرض يسبح الله تسبيح المملوك لمالكه المتفرد، الذي يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢)} [النور: ٤١، ٤٢].

فحين نقول في الصلاة: (الله أكبر) فإننا نستحضر كبرياء الله وعظمته وجلاله،


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>