فالأجر الذي يناله الإنسان على عبوديته الإجبارية منقطع محدود في الحياة الدنيا ينعم به كغيره إلى أجل مسمى، وأما الأجر الذي يناله الإنسان مكافأة على عبوديته الاختيارية فهو نعمة دائمة كاملة لا خلل فيها ولا نقصان، ورزق لا خوف من انقطاعه.
فلا بدَّ للإنسان أن يعرف ربه ومولاه معرفة خالصة لا يشوبها شرك أو كفر أو شك، ولا يخاف معها أحداً غيره، ولا يرجو سواه، ولا يتوكل إلا عليه فهذا هو الإيمان.
وأن يطيع ربه فيما يختص بحياته الاختيارية بامتثال أوامر هذا المعبود كما يطيع حكمه وأمره فيما يختص بحياته الإجبارية، حتى تصير حياته بناحيتيها تابعة لإله واحد وحاكم واحد، وهذا هو العمل الصالح.
وليست العبادة فقط هي الصلاة والصيام، والحج والزكاة، والذكر والتسبيح والتهليل، بل هذه جزء من العبادة الشاملة، وهي تمرينات تزكي روح الإنسان، وتعده للعبادة الرئيسية التي تسمو بحياته من أدنى درجات الحياة الحيوانية إلى أعلى وأرفع ما يكون من درجات الحياة الإنسانية، وتعده لامتثال أوامر الله في كل حال، وتجعله في كلا حالتيه الإجبارية والاختيارية خادماً مطيعاً وفياً لربه ومولاه في كل لحظة من لحظات حياته، بكل قدراته الجسدية والروحية.
والإنسان بهذا ينال الشرف الذي لا قِبَل لمخلوق في الكون أن ينازعه فيه، فيكون خليفة الله في الأرض، ويحكم أرض الله بأمره الكريم كما قال سبحانه: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)} [ص: ٢٦].
وللجسد لذة، وللسان لذة، وللسمع لذة، وكل ملذوذ إنما له لذة واحدة إلا العبادة فلها ثلاث لذات:
إذا كنت فيها .. وإذا تذكرتها .. وإذا أُعطيت ثوابها.