الجوع فيلتمس لإزالته الغذاء .. وكما أنه يشعر بالحر والبرد فيلتمس لاتقائهما الظل واللباس .. وكما يجول في فكره شيء فيبحث عن الألفاظ والإشارات للتعبير عنه.
فهكذا عاطفة العبادة تنشأة في الإنسان من جهة الفطرة فيلتمس لتهدئتها وإبرازها إلهاً ثم يعبده: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)} [الأنعام: ١٠٢].
والعبودية: أن يقر الإنسان بالكبرياء والعظمة والجبروت في قوة أعلى ثم يطيعها ويسلس لها قياده، ويطأطئ لها رأسه، مع كمال التعظيم، وكمال الحب وكمال الذل، وذلك لا يكون إلا لله وحده لا شريك له.
وكل شيء في هذا الكون من أصغر ذرة في الأرض إلى أكبر جسم في الكون، كله مسخر بنظام مهيمن لا قبل له بمخالفته، ولو خالفه وأبى الانقياد له فسد وفني، ولكن أنى له المخالفة، فكلٌ عابد مطيع يؤدي الوظيفة التي فوضت إليه، فلا تهب الرياح، ولا ينزل المطر، ولا يسيل الماء، ولا تنبت الأرض، ولا تجري الشمس، ولا تتحرك الكواكب، إلا بأمر الله وإذنه سبحانه.
فهذا الكون وما فيه كله يعبد الله تعالى ويطيعه، وهذه العبادة والطاعة هي قوام بقائه، ومناط حياته، وما من شيء في الكون يصدف عن عبادة الله طاعته ولو للمح البصر، وإذا صدف لا يتأخر فناؤه ولا لطرفة عين: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)} [الرعد: ١٥].
فالقنوت لله يغشى كل شيء في الكون، ومكافأة هذه المخلوقات على حسن العبادة والطاعة هي نعمة الوجود وقابلية البقاء والحياة والرزق، فكل شيء يعبد الله ينعم بالحياة، ويمكث في الكون، وينال وسيلة البقاء وهي الرزق والإمداد.
والله عزَّ وجلَّ يشمل بنعمة الوجود والرزق والحراسة الذين ينكرونه ويشركون به، ويأبون أن يعبدوه ويطيعوه، كما يفيض بها على الذين يؤمنون به، ويوحدونه