للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانتساب إليه، وهذه أعلى من الأولى.

الثالثة: أن يعبد الله لكونه إلهاً وخالقاً، ولكونه عبداً له، والإلهية توجب الهيبة والعزة، والعبودية توجب الخضوع والذلة، وهذه أعلى المقامات، وأشرف الدرجات للعبد.

ومنازل العبودية متفاوتة، والناس فيها متفاوتون:

فالمهابة والتعظيم أعلى من المحبة؛ لأنها نشأت عن معرفة جلال الرب وتعلقت بالذات والصفات، ثم يليها المحبة الناشئة عن معرفة إنعام الرب وإحسانه، ثم التوكل؛ لأن منشأه ملاحظة التوحد بالأفعال، ثم الخوف والرجاء؛ لأنهما نشآ عن ملاحظة الخير والشر، والإحسان والانتقام وشرفا من جهة معرفة قدرة الله عليهما، إذ لا يرجى من يعجز عن الخير، ولا يخاف من لا يقدر على الضير .. وهكذا باقي الصفات.

وعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإمانة، يثمر له عبودية التوكل عليه وحده.

وعلم العبد بسمع الله وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه، وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وتعلقها بما يحبه الله ويرضاه.

فيثمر له ذلك الحياء، يثمر له الحياء الإقبال على الطاعات، واجتناب المحرمات والقبائح.

ومعرفته بغناه وجوده سبحانه، وكرمه وإحسانه، وبره ورحمته، يوجب له ذلك كله سعة الرجاء، وطلب الحاجات كلها منه ومحبته.

ومعرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستعانة والإجلال لربه.

وعلمه بكماله وجلاله وجماله يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع العبودية.

والعبادة عاطفة قد مزجت بدم الإنسان بحكم الفطرة، فكما أن الإنسان يمسه

<<  <  ج: ص:  >  >>