الثاني: ما يراد من العبد من الأوامر والقربات، فهذا ليس الكمال إلا في إرادته.
فالذروة العليا للإرادة ليس نيل حظ المريد من محبوبه، وإن كان المحبوب يريد ذلك، لكن غيره أحب إليه منه، وهو أن يكون لإرادة محض حق محبوبه، وحصول مرضاته، فانياً عن حظه هو من محبوبه، بل قد صار حظه فيه نفس حقه ومراده، فهذه هي الإرادة التي لا علة فيها ولا نقص.
والله تبارك وتعالى خلق السماوات والأرض بالحق.
والغاية من خلق المخلوقات نوعان:
غاية تراد من العباد ... وغاية تراد بهم.
فالغاية التي تراد منهم: أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله، وأن يعبدوه وحده لا شريك له، فيكون وحده هو إلههم ومعبودهم، ومطاعهم ومحبوبهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢].
وأما الغاية المرادة بهم فهي: الجزاء بالعدل والفضل .. والثواب والعقاب والجنة والنار كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)} [النجم: ٣١].
والله عزَّ وجلَّ فعال لما يريد، يفعل سبحانه ماشاء بإرادته ومشيئته وذلك من كماله سبحانه، وإذا أراد شيئاً فَعَله، وهذا في إرادته المتعلقة بفعله، وإما إرادته المتعلقة بفعل العبد، فتلك لها شأن آخر.
فإن أراد فعل العبد، ولم يرد من نفسه أن يعينه ويجعله فاعلاً، لم يوجد الفعل وإن أراده، حتى يريده من نفسه أن يجعله فاعلاً.