إرادة أن يفعل العبد ... وإرادة أن يجعله الرب فاعلاً.
وقد يريد فعله، ولا يريد من نفسه أن يخلق له أسباب الفعل، فلا يوجد الفعل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه أنه يقول لعبده يوم القيامة: «قَدْ أرَدْتُ مِنْكَ أهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ (أحْسِبُهُ قَالَ) وَلا أدْخِلَكَ النَّارَ، فَأبَيْتَ إِلا الشِّرْكَ» متفق عليه (١).
ولم يقع هذا المراد؛ لأنه لم يرد من نفسه إعانته عليه وتوفيقه له، وفعل الله سبحانه وإرادته متلازمان، فما أراد أن يفعله فعله، وما فعله فقد أراده، فهو الفعال لما يشاء، بخلاف المخلوق فإنه يريد ما لا يفعل وقد يفعل ما لا يريد، فما ثم فعال لما يريد إلا الله وحده كما وصف نفسه بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧)} [هود ١٠٧].
وما أعظم شأن الإرادة في الإنسان، فهي مناط العهد مع الله، وهي مناط التكليف والجزاء.
إنه يملك الارتفاع على مقام الملائكة بحفظ عهده مع ربه عن طريق تحكيم إرادته في طاعة ربه، وعدم الخضوع لشهواته.
ويملك كذلك أن يهبط عن أقل من رتبة البهائم فيشقي نفسه، ويهبط من عليائه، بتغليب الشهوة على الإرادة، والغواية على الهداية، ونسيان العهد الذي يرفعه إلى مولاه.
والناس في الإرادة أربعة أقسام:
الأول: من لا يريد ربه، ولا يريد ثوابه، وهؤلاء أعداء الله حقاً، وهم أهل العذاب الدائم.
وعدم إرادتهم لثوابه، إما لعدم تصديقهم به، وإما لإيثارهم العاجل عليه ولو كان
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٣٣٤)، ومسلم برقم (٢٨٠٥)، واللفظ له.