أحدهما: عند أخذ الإنسان مضجعه، وتفرغ حواسه وجوارحه من الشواغل، واجتماع قلبه على ما يحبه، فإنه لا ينام إلا على ذكر من يحبه، وشغل قلبه به.
الثاني: عند انتباهه من النوم، فأول شيء يسبق إلى قلبه ذكر محبوبه، فإنه إذا استيقظ ورُدَّت إليه روحه رُدَّ معها إليه ذكر محبوبه الذي قد كان غاب عنه في النوم.
الثالث: عند الصلاة، فإنها محك الأحوال، وميزان الإيمان، وبها يوزن إيمان الإنسان ومقدار قربه من الله، فهي محل المناجاة والقربة، ولا شيء أقر لعين المحب ولا ألذ لقلبه منها إذا كان محباً، فإنه لا شيء آثر عند المحب ولا أطيب له من خلوته بمحبوبه ومناجاته له، ومثوله بين يديه وقد أقبل محبوبه عليه.
فإذا قام العبد إلى الصلاة هرب وفر مما سوى الله إليه، وآوى عنده، واطمأن بذكره، وقرت عينه بالمثول بين يديه ومناجاته.
فلا يزن العبد إيمانه ومحبته لله بمثل ميزان الصلاة.
الرابع: عند الشدائد والأهوال، فإن القلب في هذا الموطن لا يذكر إلا أحب الأشياء، ولا يهرب إلا إلى محبوبه الأعظم عنده، فعند الشدائد والأهوال يشتد خوف القلب من فوات أحب الأشياء إليه، وهي حياته التي لم يكن يؤثرها إلا لقربة من محبوبة، فهو إنما يحب حياته لتنعمه بمحبوبه.
فإذا خاف فوتها، بدر إلى قلبه ذكر المحبوب الذي يفوت بفوات حياته من خالق أو مخلوق محبوب.
ولهذه المحبة علامات:
منها إدمان النظر إلى المحبوب.
ومنها إغضاؤه عن نظر محبوبه إليه مهابة له، وحياء منه، وتعظيماً له.
ومنها كثرة ذكر المحبوب، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره بقلبه ولسانه.