فالطائفتان في الحقيقة لا يقصدون نفعه، ولا دفع ضرره، وإنما يقصدون تحصيل أغراضهم به.
فإن لم يكن الإنسان عابداً لله، متوكلاً عليه وإلا أكلته الطائفتان، وأدى ذلك إلى هلاكه في الدنيا والآخرة.
وكل إنسان يحب من أحسن إليه، ولاطفه وواساه، ونصره وقمع أعداءه، وأعانه على جميع أغراضه، فهذا محبوب عنده لا محالة.
وإذا عرف الإنسان حق المعرفة علم أن المحسن إليه هو الله سبحانه وتعالى فقط، وأنواع إحسانه لا يحيط بها حصر كما قال سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} [النحل: ١٨].
ولو أن شخصاً أنعم عليك بجميع ما يملك، ومكنك منه لتتصرف فيه كيف شئت، فإنك تظن بل تجزم أن هذا الإحسان منه.
وهذا غلط .. فإنه إنما تم إحسانه بماله، وبقدرته على المال، وبداعيته الباعثة له على صرف المال.
فمن الذي أنعم بخلقه؟ وأنعم بخلق ماله؟ ومن الذي خلق فيه إرادة الإنعام؟ ومن الذي حببك إليه، وصرف وجهه إليك دون غيرك؟ ومن الذي ألقى في نفسه وقلبه أن صلاح دينه ودنياه في الإحسان إليك؟ ولولا ذلك ما أعطاك، فكأنه صار مقهوراً في التسليم ولا يستطيع مخالفته.
فالمحسن حقيقة هو الله وحده لا شريك له، فهو الذي أمره واضطره وسخره لك، فهو جار مجرى خازن الملك، الذي أمر أن يسلم خِلعة الملك لهذا الإنسان.
فالخازن لا يرى محسناً بتسليم خِلعة الملك؛ لأنه مضطر إلى طاعته، ولو خلاه الملك ونفسه لما سلم ذلك، وكذلك كل محسن لو خلاه الله ونفسه لم يبذل حبة من ماله، حتى يسلط الله عليه الدواعي، ويلقي في نفسه أن حظه في بذل