للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستقامة على ثلاث درجات:

الأولى: الاستقامة على الاجتهاد في الاقتصاد، وذلك ببذل المجهود وأداء العمل بإخلاص وفق السنة.

والاقتصاد في العمل هو السلوك بين طرفي الإفراط والتفريط، فالإفراط جور على النفوس، والتفريط إضاعة الأمور.

فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية إلى البدعة، وإعراضاً عن كمال الانقياد للسنة أخرجه عن الاعتصام به.

وإن رأى فيه حرصاً على السنة وشدة طلب لها أمره بالاجتهاد والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها.

وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة، لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف، وكذلك الرياء في الأعمال يخرجه عن الاستقامة، وكل الخير في اجتهاد في اقتصاد، وإخلاص مقرون بالاتباع.

الدرجة الثانية: استقامة الأحوال، بشهود تفرد الرب بالأفعال وتفرده بالوجود، وتفرده بالإيجاد، وما سواه محل جريان أحكامه وأفعاله، ويستيقظ من غفلته، ويرى أنه في ذلك كالمجذوب المأخوذ عن نفسه، حفظاً من الله له، لا أن ذلك حصل بتحفظه واحترازه، فليس سبب بقائه في قدر اليقظة بحفظه؛ بل بحفظ الله له.

الثالثة: الاستقامة بترك رؤية الاستقامة، وأنها حصلت بتوفيق الله، فالله هو الذي أقامه ورزقه الاستقامة، لا بنفسه ولا بطلبه، فذكره لهذا يغيب به عن استشعار طلبه لها.

والاستقامة كلمة جامعة، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والطاعة والوفاء بالعهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>