بينهم، ويميز مجلسه فيهم، والله جل جلاله يدعوهم إلى ذلك الأدب بهذا النداء الحبيب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} [الحجرات: ٢].
وكانوا يوقرون النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي دعاهم إلى الإيمان، وتلا عليهم القرآن، وجمعهم على الهدى، فكانوا معه في غاية الأدب خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون.
وقد نوه الله بتقواهم وغضهم أصواتهم عند رسول الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)} [الحجرات: ٣].
وقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع، وتجاوزوا به شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كل عالم، لا يزعجونه حتى يخرج إليهم، ولا يقتحمون عليه حتى يدعوهم.
فالنداء الأول لتقرير جهة القيادة ومصدر التلقي.
والنداء الثاني لتقرير ما ينبغي من أدب للقيادة وتوقير.
وهذا وذاك هما الأساس لكافة التوجيهات والتشريعات، فلا بدَّ من وضوح المصدر الذي يتلقى عنه المؤمنون، ومن تقرير مكان القيادة وتوقيرها لتصبح للتوجيهات بعد ذلك قيمتها ووزنها وطاعتها. أما النداء الثالث فهو يبين للمؤمنين كيف يتلقون الأنباء؟ وكيف يتصرفون بها؟ ويقرر ضرورة التثبت من مصدرها كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)} [الحجرات: ٦].
فلا بدَّ من التثبت من خبر الفاسق.
أما المؤمن الصالح فيؤخذ بخبره؛ لأن هذا هو الأصل في الجماعة المؤمنة، أما الشك في جميع المصادر، وفي جميع الأخبار فهو مخالف لأصل الثقة المفروض بين الجماعة المؤمنة، ومعطل لسير الحياة وتنظيمها في الجماعة.