وذلك أدب نفسي مع الله ورسوله، وهو منهج في التلقي والتنفيذ، وهو أصل من أصول التشريع والعمل.
وهو منبثق من تقوى الله، النابعة من الشعور بأن الله سميع عليم، وكذلك أدب المؤمنين مع ربهم ومع رسولهم.
فلا يقترح منهم مقترح على الله ورسوله .. ولا يدلي منهم أحد برأي لم يطلب منه أن يدلي به .. ولا يقضي برأيه في أمر أو حكم إلا أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول رسوله.
حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألهم عما يعلمونه قطعاً في حجة الوداع، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم، خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -! وهو ما نهى الله عنه بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)} [الحجرات: ١].
وعن نفيع بن الحارث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل يوم النحر فقال:«أتدرون أيَّ يَوْمٍ هَذَا». قُلنا: اللهُ ورَسولُهُ أَعلمُ، حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوى اسْمِهِ، فقَالَ:«ألَيْسَ بِيَوْمَ النَّحْرِ» قُلْنَا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قَال:«فأي شهر هذا؟» قلنا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال:«أَلَيْسَ بِذي الحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ! قَال: «فَأَيُّ بَلدٍ هذا؟» قُلنا: اللهُ ورَسولُهُ أَعلمُ، قال: حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوى اسْمِهِ، قَال:«أَلَيْسَ بالبلدَةِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قالَ: «فَإنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ وَأعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هذا، فَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» متفق عليه (١).
ولهذا الجيل الطيب الطاهر السامق أدب مع نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في الحديث والخطاب، وتوقيرهم له في قلوبهم توقير ينعكس على أصواتهم ويميز شخص رسول الله
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٧)، ومسلم برقم (١٦٧٩)، واللفظ له.