وإذا فكرنا في الموت والآخرة، وتذكرنا نعيم الجنة وعذاب الآخرة، سهل علينا التضحية بالدنيا، وامتثال أوامر الله وتقديمها على ما سواها.
وطالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيره وطلبه إلا بحبسين:
الأول: حبس قلبه في طلبه ومطلوبه بذكر الله وطاعته، وفعل الواجبات والمندوبات التي يحبها الله.
الثاني: حبس قلبه عن الالتفات إلى غيره، كحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات بترك المحرمات والمكروهات.
وكل خارج من الدنيا إما متخلص من الحبس وهو المؤمن، أو سائر إلى الحبس وهو الكافر: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (١٦)} [الروم: ١٤ - ١٦].
وقد ربى الله بالقرآن الكريم وبهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - جيلاً كريماً مستقيماً رضِيَ اللهُ عنهُ ورضوا عنه، فهم قدوة البشرية إلى يوم القيامة.
إنهم خير القرون، وخير جيل عرفته الأرض، إنه عالم يصدر عن الله، ويتجه إلى الله، ويليق أن ينتسب إلى الله.
عالم عالي الصفات .. نقي القلب .. طيب المشاعر .. عف اللسان .. عف السريرة .. له أدب مع الله .. وأدب مع رسول الله .. وأدب مع نفسه .. وأدب مع غيره .. أدب في هواجس قلبه .. وفي حركات جوارحه .. له شرائعه المنظمة لأوضاعه .. وله أحكام تضبط استقراره .. وتكفل صيانته.
إنه عالم كريم له أدب مع الله، ومع رسول الله، يتمثل هذا الأدب في إدراك حدود العبد أمام الرب، وأمام الرسول الذي يبلغ عن الرب، فلا يسبق المؤمن إلهه في أمر ولا نهي، ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم، ولا يتجاوز ما يأمر به، وما ينهى عنه، ولا يجعل لنفسه إرادة، أو رأياً مع خالقه تقوى منه وخشية، وحياءً وأدباً.