وقضى سبحانه بدخول الجنة لمن أسلم وأتى بالأعمال الصالحة، فإذا لم يسلم ولم يعمل صالحاً لم يدخلها أبداً.
فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل.
ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها.
فالأسباب محل حكمة الله وأمره ودينه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره.
فلا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية.
ومن نفى الأسباب فالبهائم أفقه منه؛ لأنها تسعى في السبب بالهداية العامة.
ولا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده، بل حقيقة التوكل:
توحيد القلب، فما دامت فيه علائق الشرك فتوكله معلول مدخول، وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل.
فإن العبد متى التفت قلبه إلى غير الله نقص من توكله بقدر ذلك الالتفات.
ومن هنا ظن بعض الناس أن التوكل لا يصح إلا برفض الأسباب، وهذا حق، لكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح.
فالتوكل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب، وتعلق الجوارح بها، فيكون منقطعاً عنها بقلبه، متصلاً بها ببدنه، وتلك سنته - صلى الله عليه وسلم -، وفعله وأمره.
فخلع الأسباب من القلوب توحيد، وتعطيل الأسباب إلحاد وزندقة، فخلعها عدم اعتماد القلب عليها وركونه إليها مع قيامه بها، وتعطيلها إلغاؤها عن الجوارح.
فالذي أمر بالتوكل بقوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣)} [المائدة: ٢٣].
هو الذي أمر بأخذ الحذر بقوله: {خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١)} [النساء: ٧١].